يرى محللون أن إعلان ولي العهد السعودي أن بلاده لن تطبّع علاقاتها مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية، يهدف إلى الضغط من أجل وقف الحرب في قطاع غزة المستمرة منذ قرابة عام ومنع توسعها إلى حرب إقليمية أوسع.
وجاءت تصريحات الأمير محمد بن سلمان مع تصاعد التوترات الإقليمية عقب تفجير أجهزة اتصال يستخدمها حزب الله في لبنان في هجوم نُسب إلى إسرائيل وهجوم بصاروخ بالستي أطلقه الحوثيون في اليمن وسقط في وسط إسرائيل الأحد.
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، كانت السعودية وإسرائيل على “عتبة” تطبيع علاقتهما برعاية أميركية.
لكن اندلاع الحرب الدامية في غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي دفع السعودية إلى تعليق المفاوضات، فيما انتقدت العمليات العسكرية مرارا وطالبت بوقف الحرب.
وقالت رابحة سيف علام الخبيرة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في القاهرة إنّ “حرب غزة وسلوك الحكومة الإسرائيلية نسفا الترتيبات المعدة للتقارب السعودي الإسرائيلي”.
وتابعت لوكالة فرانس برس أنّ “قسوة الحرب الحالية وما تحمله من فظائع بحق الفلسطينيين قتلت فرص تصور التطبيع وتقبل الرأي العام في السعودية له”.
وأكد ولي العهد الأربعاء في كلمته لدى افتتاحه جلسات مجلس الشورى في الرياض أن بلاده لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل “قيام دولة فلسطينية”، معربا عن إدانة المملكة لـ”جرائم” الدولة العبرية.
ورأت المحللة في مجموعة الأزمات الدولية آنا جايكوبس إن “محمد بن سلمان يقول هذا الآن لأن حرب إسرائيل على غزة مستمرة منذ عام تقريبا ولا تظهر أي علامات على التوقف”.
وأضافت “تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء وتحاول بدء حرب متعددة الجبهات، ما سيؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل أكبر”.
•وسط النيران
وتنكب السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي، منذ 2016 على مشروع إصلاح اقتصادي واجتماعي يهدف إلى تحويلها مركزا عالميا للسياحة والأعمال والرياضة.
ورأت سيف علام أنّ “الخوف من توسع الحرب يضرب خطط السعودية التنموية لتكون بلدا جاذبا للاستثمار في المنطقة”.
وفشلت مفاوضات استمرت لأشهر في الكواليس بوساطة من قطر ومصر والولايات المتحدة في التوصل إلى وقف القتال بين حماس وإسرائيل، باستثناء هدنة لمدة أسبوع في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر.
ورأت جايكوبس أنّ السعودية تريد “زيادة الضغوط” من أجل التوصل إلى هدنة الآن.
وأضافت أنّ الأمير محمد يسعى إلى “محاولة زيادة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة ولكن أيضا لمنع حرب إقليمية أوسع نطاقا من شأنها أن تضع الولايات المتحدة وإسرائيل على جانب وإيران ومحور المقاومة على الجانب الآخر”.
وأكدّت أنّ “هذا سيناريو مروع للرياض وجميع دول الخليج التي قد تقع في وسط النيران”.
اندلعت الحرب في غزة إثر هجوم غير مسبوق شنّته حماس على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر وتسبّب بمقتل 1205 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية. ويشمل هذا العدد رهائن قضوا خلال احتجازهم في قطاع غزة.
وخُطف خلال الهجوم 251 شخصا، لا يزال 97 منهم محتجزين، بينهم 33 يقول الجيش إنهم لقوا حتفهم.
وردّت إسرائيل بحملة قصف وهجوم بري على غزة، ما تسبب بكارثة إنسانية وأسفر عن سقوط 41272 قتيلا على الأقل، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
•أقوال وأفعال
ولم تعترف السعودية بإسرائيل قط، ولم تنضم إلى اتفاقات أبراهام المبرمة عام 2020 بواسطة أميركية والتي طبعت بموجبها جارتا المملكة الإمارات والبحرين علاقاتهما مع إسرائيل. وحذا المغرب والسودان بعد ذلك حذو الدولتين الخليجيتين.
وكانت السعودية في طريقها إلى ذلك، ضمن اتفاق كان سيوفر للرياض ضمانات أمنية من الولايات المتحدة ومساعدة في تطوير برنامج نووي مدني.
وقبل نحو عام، قال ولي العهد السعوديّ في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأميركية “نقترب كلّ يوم أكثر فأكثر” من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنّه في الوقت نفسه شدّد حينها على “أهمية القضية الفلسطينية” بالنسبة إلى المملكة.
وقالت سيف علام إنّ السعودية “كانت على شفا الاعتراف بوجود إسرائيل والتعامل معها لكنها الآن تواجه تعنّتا إسرائيليا لا يقبل بتاتا بوجود دولة فلسطينية”، وهو الأمر الذي لا طالما ربطت السعودية التطبيع مع الدولة العبرية به.
وقال مستشار الحكومة السعودية علي الشهابي إنّ تصريحات ولي العهد الأربعاء “تهدف إلى إزالة أي غموض حول الموقف السعودي”.
وأشار المحلل السياسي السعودي محمد بن صالح الحربي إلى استخدام ولي العهد “لهجة شديدة” في التعبير عن موقف بلاده.
لكنّ جايكوبس قالت إنّ “السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت هذه التصريحات الشرسة ستتبعها أفعال خصوصا في علاقتها بالولايات المتحدة، أقوى حليف لإسرائيل وكيف يمكن أن تحشدالعالمين العربي والإسلامي”.
التعليقات