في الوقت الذي تشتد فيه المعارك والهجمات الصاروخية في غزة، ينفذ الجيش الإسرائيلي مداهمات واقتحامات واسعة في مدن الضفة الغربية.
وقال الجيش الإسرائيلي، الخميس، إن قواته داهمت مكاتب صرافة وتحويل أموال في رام الله ومدن أخرى بالضفة الغربية المحتلة وصادرت ملايين الدولارات التي يشتبه أنها موجهة لتمويل حركة “حماس”، وفق ما نقله موقع هيئة البث الإسرائيلية “مكان”.
واستنكر تقرير للأمم المتحدة، نشر الخميس، “التدهور السريع” لحقوق الإنسان في الضفة الغربية، وحث السلطات الإسرائيلية على إنهاء العنف ضد السكان الفلسطينيين هناك، بحسب ما ذكرت وكالة “رويترز”.
واندلعت اشتباكات في عدة مواقع بالضفة الغربية، وقال الجيش الإسرائيلي إن جنوده فتحوا النار بعد إلقاء متفجرات وقنابل حارقة وحجارة عليهم. وفي جنين أطلقت طائرة إسرائيلية النار على مسلحين هاجموا القوات.
•خطر يهدد أمن إسرائيل
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري، رفض وصف التحركات الإسرائيلية في الضفة الغربية بأنها “اقتحامات” إذ أنها “قانونية، ووفقا لاتفاقيات أوسلو، يحق لإسرائيل التدخل في مناطق الحكم الذاتي للتصدي لأي خطر يهدد أمنها”.
وأضاف في حديث لموقع “الحرة” أن “السلطة الفلسطينية فقدت مساحات هامة في محيط بعض المدن الكبرى الخاضعة لمسؤوليتها”.
أما الكاتب الفلسطيني، المتخصص في الشأن الإسرائيلي، خلدون البرغوثي يرى أن التحركات الإسرائيلية لا تخرج عن نطاق “القاعدة الأساسية في التعامل مع الفلسطينيين، هي أنهم تهديد وعبء أمني لإسرائيل، حيث يتم التعامل معهم بوسائل أمنية وعسكرية وسياسية لفرض سيطرة أمنية عليهم عبر الاعتقالات والتحقيقات والسجن والترهيب”
وزاد في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن هذه التحركات لا تقف عند التعامل الأمني إذ أنها “تمتد لتنفيذ اقتحامات عسكرية واستهداف بالقتل والإصابة وتدمير الأملاك أو مصادرتها بالقوة”، مشيرا إلى أن الضفة الغربية شهدت تصعيدا في هذه الاقتحامات منذ هجوم السابع من أكتوبر.
واستطرد البرغوثي أن “إسرائيل ترى أنه يحق لها السيطرة والاستيلاء على الأرض الفلسطينية باعتبار أنها (أرض متنازع عليها وليست أرضا محتلة)، ولا يحق لصاحب هذه الأرض الاحتجاج على الإجراءات الإسرائيلية، ويتم التعامل مع احتجاجه على أنه مقاومة وإرهاب يتم الرد عليه بالقوة العسكرية”.
وقال البرغوثي إن “حكومة نتانياهو تسعى، على الصعيد السياسي، لترسيخ فكرة القضاء على التطلعات الوطنية الفلسطينية، بحيث تسيطر هي تماما على الأرض ويقبل الفلسطينيون العيش تحت حكم إسرائيل العسكري ودون حقوق”.
وأضاف أن “الجميع هنا مستهدف بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي بينها وبين إسرائيل اتفاقيات سلام قضي عليها عبر سياسة الاستيطان والاستيلاء على الأراضي بموجب قوانين وأوامر عسكرية. وعبر الإجراءات الأخرى مثل الاقتحامات وعمليات القمع والاستهداف والقتل ونزع الصلاحيات السياسية والأمنية”.
وكثفت قوات الأمن الإسرائيلية مداهماتها في جميع أنحاء الضفة الغربية منذ هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس في جنوب إسرائيل.
وحاول موقع “الحرة” الحصول على تعليق من متحدثين باسم الجيش الإسرائيلي ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ومكتب المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية، دون رد.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن حماس، التي سيطرت على السلطة في قطاع غزة، عام 2007، وغيرها من الجماعات المسلحة مثل الجهاد الإسلامي، زادت من انتشارها بشكل مطرد في الضفة الغربية حيث تحظى بدعم شعبي متزايد وتمويل بملايين الدولارات من إيران، وفق تقرير لوكالة رويترز.
ونفذ مسلحو حماس قبل السابع من أكتوبر سلسلة من الهجمات على إسرائيليين في مستوطنات الضفة الغربية، وكانت القوات الإسرائيلية تشن مداهمات بشكل يومي تقريبا، لكنها تزايدت بشكل كبير في الأسابيع القليلة الماضية.
وتزايدت أيضا هجمات المستوطنين اليهود على الفلسطينيين مما أثار قلق الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فقد تم اعتقال ما لا يقل عن 4785 فلسطينيا منذ السابع من أكتوبر، إلى جانب مقتل 291 شخصا على الأقل في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وذكر تقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان نشر، الخميس، أن هناك “تدهورا سريعا” في حقوق الإنسان بالضفة الغربية، مشيرا إلى أن معظم عمليات القتل وقعت خلال عمليات قامت بها قوات الأمن الإسرائيلية أو مواجهات معها.
وقالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إنها سجلت أيضا عمليات اعتقال تعسفي جماعية واعتقالات غير قانونية وحالات تعذيب وأشكال أخرى من سوء المعاملة للمعتقلين الفلسطينيين.
ورفضت متحدثة باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التقرير ووصفته بأنه “سخيف” و”مخز”. وقالت إن إسرائيل تواجه تهديدا أمنيا كبيرا في الضفة الغربية وإنها ستواصل الاعتقالات لحماية نفسها.
•مصادرة الأموال لـ “وقف تمويل حماس”
وذكر بيان عسكري إسرائيلي إن الشرطة والجيش وعناصر من جهاز الأمن العام “الشاباك” نفذوا مداهمات في أنحاء الضفة الغربية، واعتقلوا 21 شخصا في رام الله وكذلك طولكرم وجنين في شمال الضفة الغربية والخليل في الجنوب.
وأضاف البيان أنه “تم خلال العملية العثور على أموال للإرهابيين ومصادرة عشرات الملايين من الشواقل وخزائن ووثائق وأنظمة تسجيل وهواتف”.
وقال الجيش إنه بالإضافة إلى مقدمي الخدمات المالية، استهدفت العملية أيضا العملات المشفرة، مع مشاركة وحدة خاصة للجرائم الإلكترونية في التحقيق.
وقال أستاذ العلوم السياسية، مصري، أنه “لحماس والجهاد والجبهتين (الشعبية والديمقراطية) تواجد مسلح وماليّ ونشاط تعبوي في مناطق الحكم الذاتي، وهذا ما لا يمكن أن تسمح به إسرائيل”.
وأضاف “أن القضاء على أي نشاط مسلح خارج إطار الشرعية، والقبض على كل من له صلة بالميليشيا الإرهابية”.
من جانبه قال الكاتب البرغوثي إن “حملات الاعتقال ليست جديدة، ولا يخلو يوم واحد من دخول القوات الإسرائيلية إلى المدن والقرى والمخيمات لاعتقال الفلسطينيين سواء الناشطين سياسيا أو إعلاميا أو عسكريا أو ماليا أو حقوقيا”.
وأردف حديثه بأن “الحملات التي تستهدف شركات الصرافة ليست جديدة، بل في حالات سابقة تم اقتحام مصارف والاستيلاء على أموال منها بدعوى تجفيف مصادر الأموال للفصائل الفلسطينية التي قد تستخدم في مقاومة الاحتلال. وهي تأتي في السياق ذاته الذي تتم بموجبه مصادرة مئات ملايين الدولارات من أموال الضرائب أو الجمارك الفلسطينية التي تجمعها إسرائيل في المعابر الحدودية من المستوردين الفلسطينيين، وتحيل جزءا منها للسلطة الفلسطينية”.
ونوه أيضا إلى أن “مصادرة الأموال هذه تأتي في الإطار ذاته وهو فرض حالة السيطرة على الفلسطينيين في كل ما يتعلق بجوانب حياتهم، ضمن إطار التعامل معهم فقط بالوسائل الأمنية والعسكرية عبر الأجهزة الأمنية كالشاباك والقوات العسكرية ممثلة بالجيش”.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن “استخدام القوة غير الضرورية أو غير المتناسبة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية مقلق للغاية”.
ودعا تورك إسرائيل إلى “اتخاذ خطوات فورية وواضحة وفعالة لوضع حد لعنف المستوطنين ضد السكان الفلسطينيين والتحقيق في جميع حوادث العنف التي يرتكبها المستوطنون وقوات الأمن الإسرائيلية لضمان الحماية الفعالة للتجمعات الفلسطينية”.
ومنذ مطلع العام الجاري، قتل 522 فلسطينيا برصاص الجيش أو المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، بينهم 314 منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، المصنفة إرهابية، بغزة في 7 أكتوبر، وفقا لأرقام من وزارة الصحة الفلسطينية نقلتها فرانس برس.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يشن عمليات ضد مسلحين مشتبه بهم في الضفة الغربية وإنه يجري تحقيقات في حالات إساءة معاملة محتملة لمحتجزين.
وشهدت الضفة الغربية بالفعل أقصى مستويات التوتر منذ عقود خلال الأشهر الثمانية عشر التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر.
وانهارت محادثات السلام التي توسطت فيها الولايات المتحدة بهدف إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية قبل عقد من الزمن تقريبا. وكانت آفاق إحيائها قاتمة بالفعل قبل الحرب في غزة.
التعليقات