القدس: قائد بحرية إسرائيلي يروي تفاصيل الحرب من على متن سفينة حربية

شهدت إيران تصعيدًا في دعمها لحلفائها ضمن ما يُعرف بـ “محور المقاومة”، ويتجلى ذلك في الهجوم الذي وقع في ديسمبر/ كانون الأول 2023 عندما أطلق الحوثيون في اليمن صاروخ كروز وطائرة مُسيّرة باتجاه إسرائيل. ومع تقدم قوات الجيش الإسرائيلي في عملياتها البرية في غزة، قامت البحرية الإسرائيلية بعملية معقدة تمثلت في نقل سفينة صواريخ من طراز “ساعر 6” من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر عبر قناة السويس. ورغم الحماية الأمنية التي وفرتها القوات المصرية، كانت العملية حساسة للغاية بسبب قربها من سواحل معادية.

وقد أشرف العقيد عمر كرمي، قائد سرب سفن الصواريخ “ساعر 6″، شخصيًا على المهمة لضمان الاستعداد لأي أمر طارئ. وبعد انتهاء العملية مباشرة، سافر كرمي شمالًا للإشراف على انتشار سفن الصواريخ بالقرب من لبنان، بهدف حماية منصات الغاز الحيوية في عرض البحر.

وفي اليوم نفسه، ضربت طائرة مُسيّرة منشأة بحرية بالقرب من سفينة صواريخ راسية. وعلّق العقيد كرمي على ذلك في مقابلة مع موقع “والا” قائلاً: “شعرنا بالإحباط لأننا لم نعترضها.” وأضاف بمزيج من الفخر والحذر: “بعد أسبوع، حققنا أول عملية اعتراض باستخدام سفن الصواريخ. ورغم أنني لم أكن على متن السفينة في ذلك الوقت، لكنني حذرتهم بضرورة البقاء متيقظين، لأن الطائرة المُسيّرة التالية قد تضرب في أي وقت. إنها عملية صعبة، تحديد الهدف، تتبعه، واعتراضه خلال دقيقتين باستخدام نظام القبة البحرية.”

و منذ ذلك الحين، اعترض اسطول سفن الصواريخ التابع للبحرية الإسرائيلية العديد من الطائرات المُسيّرة والصواريخ المجنحة، بالإضافة إلى تنفيذ ضربات في كل من لبنان وغزة. وتبرز هذه العمليات دقة وكفاءة سفن “ساعر 6” في حماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ومع ذلك، لا تزال هناك فرص لتعزيز المشاركة العملياتية بشكل أوسع لدعم الجهود الحربية الشاملة.

وفي الوقت الذي تحتفل فيه البحرية بهذه النجاحات، يستعد الاسطول لمواجهة سيناريوهات عالية الخطورة، مثل هجوم على منصات الغاز أو سفن الصواريخ باستخدام صواريخ “ياخونت”، وهي أسلحة روسية الصنع ضمن ترسانة سوريا قد تكون نُقلت إلى حزب الله. وتشمل التهديدات المحتملة الأخرى صواريخ تُطلق من الساحل أو هجمات بالطائرات المُسيّرة بشكلٍ جماعي. وللتصدي لهذه الأخطار، يحافظ البحارة على جاهزيتهم على مدار الساعة، مستعدين للرد خلال ثوانٍ معدودة.

 

و في مقابلة حصرية، استعرض العقيد عمر كرمي، قائد السرب المنتهية ولايته، رؤيته حول العمليات البحرية والتحديات المتطورة. على مدار العام الماضي، سجل الأسطول 4500 ساعة في البحر، وهو ما يعادل حجم عمل يمتد عادةً إلى ثلاث سنوات. كرمي، المتزوج من زميلته برتبة عقيد وأب لثلاثة أطفال، بدأ مسيرته في البحرية عام 2007 وخدم على نطاق واسع على متن سفن الصواريخ مثل “INS Sufa” و”INS طرشیش”.

و قد عاد كرمي من رحلة استمرت ستة أشهر في أمريكا الجنوبية قبيل عملية “الجرف الصامد” عام 2014، حيث تولى قيادة زورق دورية من طراز “دفورا”، ثم قاد لاحقًا ثلاث سفن صواريخ. ومع وصول سفن الصواريخ “ساعر 6″، تسلم قيادة السفينة “ماجن” قبل أن يتولى قيادة اسطول 36 المسؤول عن حماية منصات الغاز البحرية. تحت قيادته، يخدم 400 جندي، بينهم ضباط مهنيون، على متن هذه السفن المتطورة.

و قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كانت السفن “ماجن” و”هيتز” قد بدأت بالفعل مهامها التشغيلية، بينما خضعت سفن أخرى لعمليات تحديث شملت دمج أنظمة دفاع إسرائيلية الصنع مصممة لمواجهة تحديات المستقبل.

 

• “لا يمكن لأي طائرة مسيرة أن تتجاوزني”

في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، استيقظ العقيد عمر كرمي على أصوات الانفجارات الناتجة عن إطلاق الصواريخ واعتراضها بالقرب من منزله. وقال: “الضجيج، مع بعض المكالمات الهاتفية، جعلني أدرك أن الأمر واضح انه حرب. هذا ما أخبرت به مرؤوسي، وأمرت الجميع بالتعبئة. أثناء توجهي إلى القاعدة، تلقينا مهام لحماية المنشآت الاستراتيجية في الشمال والجنوب. وصل الجنود من عشرات المواقع في جميع أنحاء البلاد. وبحلول الساعة العاشرة صباحًا، كانت جميع السفن (ماجن، عوز، نيتساحون، وعتسماؤت) قد انطلقت في البحر.”

وأضاف العقيد كرمي، الذي تعيش عائلته الممتدة في كيبوتس نير عوز: “بحلول الصباح، كتبوا بالفعل في مجموعة العائلة على الواتساب أن هناك إرهابيين داخل منزلهم. و ذلك ساعدني على إدراك خطورة الوضع.” وتابع قائلاً: “عندما نتوجه إلى البحر، نجمع هواتف الجميع ونفصل الاتصالات. و أبحرت على متن السفينة ماجن و أنا مثقل بشعور سيئ.”

 

و تبعت عملية نشر سفن الصواريخ تسلل حماس باستخدام سبعة قوارب وما تبعه من مذبحة. وبعد أسبوع، أطلقت السفينة “ماجن” قذائف عيار 76 ملم على أهداف لحماس في غزة لأول مرة. و في الوقت ذاته، بدأت السفينة “حنيت” عملياتها في البحر الأحمر بناءً على معلومات استخبارية متزايدة، تلاها نشر سفينة صواريخ من طراز “ساعر 6”.

وقال العقيد كرمي: “أكبر تحدٍ للرجال والنساء على متن سفن الصواريخ هو الحفاظ على مستوى عالٍ من اليقظة والاستعداد لشهور متواصلة. و عندما يحدث شيء ما، يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد.” وأضاف: “لقد وسعت سفن ’ساعر 6‘ من نطاق العمليات البحرية، وأدخلت أنظمة أسلحة جديدة، وحسّنت بشكل كبير قدرات الاستطلاع في المنطقة، بما في ذلك قدرات الاعتراض.”

 

• كيف ترى الصواريخ القادمة من لبنان وأنت على متن سفينة الصواريخ؟

“أرى كل شيء. أرى سلاح الجو وهو يضرب. أقف على سطح السفينة وأشعر بموجة الصدمة من الهجمات، أسمع وأراها. خلال النهار، ترى أعمدة الدخان؛ أما في الليل، فترى ومضات من الضوء. وفي الوقت ذاته، ترى الصواريخ تنطلق وقبة الحديد تعترضها. إنه شعور حقيقي بالفخر.”

 

• تم شراء سفن “ساعر 6” للتعامل مع السيناريوهات القصوى التي لم تحدث بعد.

قال: “لقد قمنا بتحييد التهديد بشكل مسؤول” (في إشارة إلى ضربات سلاح الجو على صواريخ حزب الله الساحلية الموجهة إلى البحر). “حتى وإن لم يحدث ذلك مباشرة عبر سفن ’ساعر 6‘، فإنها نفس القوات العسكرية. حقيقة أن الطائرات المُسيّرة كانت تحلق باتجاه منصة الغاز كاريش وتم اعتراضها في الطريق، و هذا أيضًا يعتبر إزالة للتهديد، و من وجهة نظري، هذا تأثير أيضًا. من المهم أن نفهم أنه لا يمكنني السماح لأي طائرة مُسيّرة بالمرور من أمامي. و الفرق بين طائرة مُسيّرة تضرب منشأة وطائرة مُسيّرة تضرب منصة غاز هو فرق كبير للغاية.”

وتطرق العقيد كرمي إلى سؤال حول ما إذا كانت البحرية يمكن أن تساهم بشكل أكبر في ضوء “العمالقة البحرية” التي تمتلكها. وقال: “الاسطول في مراحله الأولى. إنه في عامه التشغيلي الأول ولم يكمل جميع العمليات بعد. ولكنه بالفعل متورط بعمق في الحرب والقتال. و هذه ليست سوى البداية، لا يزال أمامه عقود من الزمن. ومن المهم أيضًا أن نقول أن البحرية ليست مجرد أربع سفن، دورها في الحرب هو ضمان عدم مرور أي شيء من خلالها. وكونوا مطمئنين، لدينا العديد من المهام.”

 

و حسب قوله، ركزت معظم أنشطة العقيد كرمي وفريقه على الدفاع، حيث صرح: “لقد اعترضنا الطائرات المُسيّرة وقصفنا أهدافًا في غزة. كنت أقود ثلاثة جبهات في وقت واحد: غزة، الشمال، والبحر الأحمر.”

 وأضاف: “هذا يعني التعامل مع الاستخبارات، مواجهة مجموعة من التهديدات والاستعداد لها، الحفاظ على جاهزية السفن، زيادة اليقظة العملياتية، وضمان الانضباط والتركيز العاليين بين المقاتلين. و يجب أن تكون الكفاءة التقنية في أقصى درجاتها، وكل ذلك أثناء العمل في ثلاثة مجالات مختلفة وإدارة عدم اليقين حول ما قد يحدث بعد ذلك، إنها مهمة شاقة ومعقدة.”

 

• ما هي التحديات القيادية التي أضافتها الحرب؟

“عندما انطلقنا إلى البحر، أخذنا هواتف الجنود، وكقائد، بدأت أفهم أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول أثناء الرحلة. و لم يكن الجنود على علم بحدوث اختراق للحدود. و كقادة، واجهنا معضلة معقدة جدًا حول كيفية التعامل مع هذا الأمر. حيث كان أحد الجنود في كيبوتس ولم يتمكن من الوصول إلى القاعدة، وكان هناك جندية من كيبوتس، عائلتها كانت في الخارج لكنها كانت تعرف أن الجميع هناك.”

و أضاف: “في البداية، كان علينا أن نشرح ما يحدث في قطاع غزة. و قررنا معالجة كل ما كان يخرج في وسائل الإعلام ومشاركته معهم بشكل تدريجي. ففي البداية، أخبرناهم عن 200 حالة وفاة، ثم 300، ولاحقًا 400. وفي مرحلة ما، أبلغناهم عن 1,100 حالة وفاة. لم يكونوا يعرفون أن هناك اختراقات. و بعد عدة أيام في البحر، استعددنا للحظة التي سيشغلون فيها هواتفهم. فقط عندما وصلوا إلى الشاطئ، رأوا الصور، و كانت ردود الفعل صعبة جدًا. بعضهم انهار، بينما قدم آخرون الدعم والعزاء.”

و يستذكر العقيد كرمي لحظة ما زالت محفورة في ذاكرته: “سألني أحد الجنود عن خوفه مما سيحدث إذا توفي أحد أفراد عائلته وكيف سيكتشف ذلك. أخبرته أنا والآخرين أنني ربما سأعلم بذلك قبلاً وسأبلغهم على الفور”.

 

• تُنفَّذ الرحلات البحرية في الوقت ذاته مع مجموعة من التهديدات المختلفة. هل يمكن استخدام صاروخ “ياخونت” ضدكم في الساحة؟

“أفترض أنه يمكن ذلك – في هجمات متتالية. ولكن البحرية جاهزة.”

مسألة الفشل الاستخباراتي تثقل كاهل كرمي أيضًا بعد التسلل الذي تم بواسطة سبعة قوارب، و تم اعتراض خمسة منها. وقال: “تحت قيادتي يوجد أربعة ضباط برتبة عقيد. و أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول تضع المرء في موقف معقد جدًا من حيث الثقة وفهم الوضع. و كعقيد في المنظمة وكإسرائيلي، تسأل أيضًا: ‘أين كنا في السابع من أكتوبر؟’ ولكن بمجرد أن فهمنا ما حدث، قلنا: نحن وسط هذه الحرب بالكامل.'”

وأضاف: “لقد صنعت الكيدوش مع أطفالي يوم الجمعة بعد عشرة أسابيع من عدم التواجد في المنزل. و هذه ليست مجرد مهمة صغيرة أخرى، بل هي حرب عادلة. دورنا هو أن نفعل كل شيء مع رجالنا ونساءنا المقاتلين للفوز. و المهام التي تحمل عدم اليقين تعتبر تحدٍ.”

 

• ما هو رأيك في وضع الخدمة العسكرية المهنية، والعلاقات في ظل الحرب، والعائلة، والتضحيات المرتبطة بها؟

“كان لدي بعض الشكوك، لكنني بقيت. لذلك، من الجيد أنك طرحت تلك الأسئلة، و هذا شيء إيجابي. و أنا الآن في طريق إلى مركز التقييم للترقية إلى رتبة نائب أميرال. 

دعني أشاركك شيئًا، جدي قاتل في “باليم” (الذراع البحري للبلماخ)، وجدتي كانت ضابطة في الهاغانا، وقد هاجر جدي في عام 1938 من بولندا، وقاتل، وانضم إلى لواء إيتسيون، وأصيب مرتين في معارك قرب رامات راحيل، مرة في الركبة ومرة عندما أصابته رصاصة في خوذته، اخترقت رأسه وخرجت من الجهة الأخرى. و من هؤلاء ورثت قيمتي، وحبي للوطن. و توفي جدي بسبب فيروس كورونا، وبعد أسبوع، توفيت جدتي. و انتقلنا من شيفا، و كان جدي دائمًا يقول لي: أنت تخدم بلدك أولًا، ثم عائلتك، ثم نفسك.'”

 

• هل واجهت لحظات صعبة في دورك؟

“زيارة زوجة جندي أنجبت أثناء وجوده في البحر، معانقة جنودي عندما توفي أجدادهم، مع العلم أنهم قد لا يستطيعون حضور الجنازة. وبالفعل نحن نبذل كل ما في وسعنا، لكننا لا ننجح دائمًا، و تلك هي التضحية.

وقد كانت هناك مهام بحرية استمرت من عشرة أيام إلى أسبوعين، وحتى عندما عدنا إلى الشاطئ، كانت فترات العودة قصيرة جدًا.

و من المهم أن نفهم: يمكنني إصدار الأوامر للجميع، ولكن إذا لم يتم تنفيذها، فلن يتحقق شيء. 

فمن يحدد الأهداف على الرادار؟ جندية. 

و من يدير المولدات، الآلات، والكهرباء على الجسر؟ مقاتلة.

 وماذا عن مراقبي الأفق؟ عندما يتم اغتيال كبار المسؤولين في لبنان، وتنفجر أجهزة الإرسال والراديو!!

و أسأل نفسي: ما الذي يجب علي فعله أكثر قبل أن يلقوا عليّ كل شيء؟ يجب أن أبقى دائمًا في حالة تأهب.”

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *