بعد أن مرت بمراحل عدة، البدء بمشروع “جبهة النصرة” ثم التحول إلى “فتح الشام”، تمكنت “هيئة تحرير الشام” بمساندة حلفاء لها من المعارضة المسلحة من القيام بما لقبته “ردع العدوان”، العملية التي بدأت في 27 تشرين الثاني/نوفمبر وتمكنت من خلالها من السيطرة على معظم مدينة حلب وقرى في ريفي حماة الشمالي والشرقي وسط سوريا، حسبما أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
أسفرت هذه العملية بشكل فوري عن مقتل 311 شخصا من الفصائل والجيش السوري ومدنيين، ثم ارتفعت حصيلة الخسائر البشرية خصوصا وسط المدنيين جراء القصف الروسي، الدولة الحليفة للنظام السوري، وسط وقع معارك أيضا بين الفصائل، حسب المرصد الذي أكد أنه إضافة إلى ذلك تشهد بعض القرى الكردية في الشمال عمليات نزوح جراء الهجوم عليها من فصائل موالية لتركيا حليفة للهيئة.
تسارع كبير في الوقائع يستدعي التوقف عند أهم فصيل بين المعارضة المسلحة وهو “هيئة تحرير الشام” ومعاينة مدى قوته وفعاليته وفق المصالح المباشرة للدول المتدخلة في النزاع السوري.
لمحة سريعة
بدأت “هيئة تحرير الشام” تحت اسم “القاعدة” ومن ثم “دولة الإسلام في العراق والشام” وبعدها غيرت اسمها إلى “جبهة النصرة”، وفي مرحلة أخرى، فكت ارتباطها مع تنظيم “القاعدة” وثبتت نفسها باسم “فتح الشام” ثم “هيئة تحرير الشام”. لها ديناميكية متغيرة ويبلغ عديدها نحو عشرين ألف مقاتل وتتلقى دعما من تركيا، حسبما تشير تقارير، وهي محسوبة على فكر “الجهادية السلفية” أساسا وتضع أولوية تشكيل “كيان سني” وإسقاط النظام في سوريا.
يقول فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط والحركات الإسلامية والجهادية “الإيديولوجية بالنسبة للقوى السلفية الجهادية بما فيها القوة التي تقول إنها لا تنتمي إلى تحالف القاعدة، هي أن العداء إلى إيران والفصائل التابعة لإيران هو عداء إيديولوجي ديني موثق. والعداء إلى إيران أهم من العداء إلى إسرائيل، حيث أن القاعدة أو داعش [تنظيم “الدولة الإسلامية”] أو هيئة تحرير الشام أو القوى السلفية المتشددة تنظر إلى إيران بعدسة الفتنة الإسلامية التاريخية، ومن ثم أعتقد أن هذا العداء متأصل ومتجذر”.
مؤسسها “أبو محمد الجولاني”، سجن في العراق في أكثر من سجن أمريكي بعد أن غادر إليها على إثر الغزو الأمريكي لها. وتتضارب التقارير حوله، إلا أن أغلب المعلومات تجمع على أنه سوري من الجولان جنوب سوريا، اسمه أحمد الشرع من مواليد عام 1982، لأب ناصري يؤمن بأفكار جمال عبد الناصر وبالقومية العربية، عمل في مجالات عدة منها النفط وله كتب في مجال الاقتصاد السعودي كونه عاش في المملكة وولد ابنه أحمد في الرياض.
تنظيميا، للهيئة جانب إداري خدمي ومؤسسات وإدارات وهيئات مختلفة. لديها ما يسمى “حكومة الإنقاذ” التي تضم 11 وزارة، وتضم أيضا ما يطلق عليه “إدارة الشؤون السياسية” التي تعنى ببناء الصورة الخارجية للهيئة وتتبع لها دائرة الثقافة. وللهيئة “جهاز أمن عام” تتبع له سجون. كما أنها تفرض الضرائب على من يعيشون تحت سيطرتها.
ما مدى قوتها؟
“هي القوة الضاربة، القوة الأهم، وهي رأس الحربة” يقول فواز جرجس الأستاذ في العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، مضيفا أنه “من بين تحالف المعارضة الذي يضم نحو عشرة فصائل، هيئة تحرير الشام هي الأقوى والأهم والأكثر فاعلية وتجهيزا وعتادا وأيضا بالنسبة للروح القتالية. وبدونها لا تشكل قوى المعارضة خطرا على قوى الحكومة السياسية السورية، وهي من ضربت عصب الجيش في حلب”.
وبشأن “الروح المعنوية لمقاتليها”، يقول الكاتب والصحافي عمر كوش من إسطنبول، إن “هؤلاء المقاتلين هم من أبناء المنطقة أو من أبناء المناطق التي جرى تهجير أهلها أو تشريدهم وكانت أعمارهم قبل 13 سنة لا تتجاوز 15 عاما أو أقل، وبالتالي فإن الفتية الذين شردهم النظام اليوم يقومون بدحره والعودة إلى المناطق التي أخرجهم منها عنوة”.
الدعم التركي
وبشأن الدعم التركي المقدم، يقول جرجس: “أصبح موثقا، إذا نظرنا للقوى الفاعلة، أن الدعم التركي اللوجستي والعسكري والتدريب والدعم المخابراتي لعب دورا مهما ليس فقط بالنسبة لتحرير الشام وأيضا للقوى المعارضة السورية الأخرى وخاصة تلك ضد القوى الكردية في العديد من المناطق السورية. وهذا يدل على أن تركيا تريد تغيير ميزان القوى في سوريا، تريد إجبار الأسد على القبول في عملية سلام تؤدي إلى تغيير جذري وإعادة تشكيل المشهد السياسي السوري”.
ويضيف جرجس أن “الرؤية التركية تنظر إلى القوات الكردية على أنها تشكل خطرا وجوديا على الدولة التركية أهم من الأسد، هم لا يتخوفون منه لأنه أصبح بطة عرجاء عسكريا، لكنهم يتخوفون من التعاون الوثيق بين القوات الكردية وبين الولايات المتحدة ومن هنا محاولة استخدام هذه الهزات الأرضية من أجل الضغط على القوات الكردية ومحاولة استعادة الكثير من المناطق ليصبح لتركيا نوع من القدرة على السيطرة على الحدود التركية السورية لمسافات طويلة تعطيها عملية ردع استراتيجي”.
وهناك عوامل أخرى يضيفها كوش وهي أن هدف الدعم بالنسبة لتركيا هو “حل مسألة اللاجئين السوريين وأيضا فتح الطريق التجاري ما بين تركيا وسوريا إلى دول الخليج”.
لماذا هذا التوقيت؟
يعزو عمر كوش هذا التوقيت إلى ثلاثة عوامل، العامل الأول هو ضعف حزب الله اللبناني في سوريا وانخراطه في حرب إسناد غزة “قبل 13 شهرا، حزب الله بدأ يسحب قواته لكن بالأشهر الأخيرة سحب معظم قواته إلى لبنان”.
والعامل الثاني هو الحاجة إلى إثبات وجود هذه الفصائل وتأكيد دورها وفاعليتها على الأرض، “العملية ليست مرتبطة بالضرورة بوجود حزب الله، لأن أهدافها أبعد منه وهي أن تكون هناك كلمة لهذه الفصائل ويكون لها حيز جغرافي أكبر. لذلك كان الوجود الإيراني ينظر إليه على أنه يجب أن يحجم ويتوقف”.
والعامل الثالث هو “امتعاض روسيا التي دفعت الكثير للنظام منذ تدخلها المباشر في أيلول/سبتمبر 2016، وتوفير الدعم العسكري والمادي والسياسي وبدوره لم يقابل ذلك بقبول اقتراحات روسيا أو ترتيبات أعدتها له من حلول، خاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أجل التقارب مع الأسد ولم يرد الأخير بشكل إيجابي”.
التعليقات